كيف تساعد البيئة الحسية الأطفال على التطور والتحسّن بالتأهيل والعلاج؟
دراسة حالة – جمعية رعاية الأطفال في نابلس
الطرح
للبيئة الحسية دور كبير في مراكز التأهيل وعملية معالجة وتأهيل الأطفال ذوي الإعاقة. تستخدم البيئة الحسية كأداة مساندة للتأهيل لتحفيز حواس الأطفال ومساعدتهم في بناء مهارات جديدة.
تركز هذه الدراسة على مدى مساهمة البيئة الحسية في تطور الأطفال خلال عملية التأهيل.
الحدود المكانية والبشرية للدراسة
تم إجراء دراسة الحالة في جمعية رعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة نابلس، فلسطين. تحتوي الجمعية على غرفتين حسيات، تم تنفيذ الغرفة الأولى منذ في عام 2012 والغرفة الثانية في عام 2017. تعمل الجمعية بشكل أساسي على تأهيل الأطفال لدمجهم مع المجتمع ليتمكنوا من الذهاب الى المدرسة، والاندماج مع الأطفال من عمرهم. فيما يتم العمل مع حالات اخرى ليتمكنوا من القيام بالأمور الحياتية الأساسية.
تأسست الجمعية عام 1994 بمبادرة من مجموعة من الأكاديميين المهتمين برعاية الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة. وتهدف الجمعية لتلبية احتياجات المجتمع المحلي وتوفير التدريب اللازم للأفراد الذين يعانون من اضطرابات نمائية وحسية واعاقات وصعوبات في النطق واللغة والسمع وصعوبات في التعلم.
توفر الجمعية خدماتها في الغرفة الحسية لسبعة عشر طفلاً وطفلة بشكل دائم، من بينهم 12 ذكرا، 5 إناث. تتفاوت أعمارهم بين 2-14 سنة. وتتركز فئات الأطفال في الجمعية على من يعانون من التوحد، والشلل الدماغي، والمشاكل السمعية، والإعاقات الحركية، المشاكل النفسية، والاضطرابات السلوكية كفرط الحركة وتشتت الانتباه.

أدوات الدراسة
اعتمد فريق البحث في إجراء هذه الدراسة على أداة المقابلة شبه المقننة، والتي تم إجراؤها مع الأخصائية النفسية في الجمعية مجد الحنبلي. تعمل مجد في الجمعية منذ ما يزيد عن 10 سنوات. شملت المقابلة من (17) سؤلا كمياً ونوعياً، تركزت جميعها على محور الدراسة.
تحليل المقابلة
تبين من خلال المقابلة التي أجريت مع الأخصائية النفسية مجد الحنبلي أن الغرفة الحسية بأدواتها المختلفة لها دور كبير في الإسهام بتقدم العملية التأهيلية والعلاجية للأطفال الموجودين في الجمعية وتطورهم.
وركزت المقابلة في أسئلتها على عدة محاور:
محاور الدراسة
مكونات البيئة الحسية
تحتوي البيئة الحسية في جمعية تأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على غرفتين حسيات، مكونة من: الصندوق الحسي، الدرج التفاعلي، أنابيب الفقاعات، حائط الملامس، الألياف البصرية، الأرض التفاعلية، الأرجوحة الشبكية، وأريكة الحبوب. وتتوفر الأدوات بمساحة 3 * 4 أمتار لكل غرفة. ويتحكم الإخصائي بجميع أدوات الغرفة حسب حالة الطفل الموجود في الجلسة والأهداف التي يتم العمل عليها معه والخطة التي وضعت لعملية التأهيل.
أما الأطفال اللذين يعانون من مشاكل فرط حركة أو ضغوطات نفسية وتشتت الانتباه والتركيز، تعقد جلسات معهم داخل الغرفة الحسية بهدف التركيز والتأهيل على معالجة السلوكيات في البيئة الحسية.
وتحدثت الإخصائية مجد عن دور نظام الأرض التفاعلية في تحفيز حواس الأطفال واندماجهم في الجلسة من خلال المؤثرات والألعاب التي يتم عرضها. يقدم النظام نشاطاً حركياً وسمعياً وبصرياً وحسياً في آن واحد. وذكرت أن الأطفال يستمتعون في الجلسة التي تتضمن استعمال الألياف البصرية وأنابيب الفقاعات بشكل خاص، حيث تلفت أنظارهم الألوان والإضاءة المتنوعة الممزوجة بالألياف الضوئية، وفقاعات الماء.
الجلسات الفردية داخل الغرفة الحسية
تحدد طريقة تنفيذ الجلسة اعتماداً على عوامل ثلاث أساسيات: حالة الطفل، والهدف من الجلسة، والحالة نفسية للطفل عند القيام بالجلسة،
تقوم الإخصائية باستخدام الموسيقى والإضاءة في معظم الجلسات، حيث لهذين العنصرين تأثيراً كبيراً على إحساس الطفل بالأمان والاسترخاء، وزيادة استجابته للعملية التأهيلية. وذكرت نوعين عامين لإستخدام الأدوات في الغرفة الحسية: الجلسات المنظمة، والتي من خلالها تستخدم نفس الأدوات في كل جلسة وبشكل منظم وتكراري للتركيز على مهارة أو هدف محدد. أما النوع الثاني فهي الجلسات الحرة. حيث يقوم الطفل بإخيار الأداة التي يرغب بإستخدامها أو اللعب بها. وعادة ما تكون الجلسات من النوع اللاحق بهدف التواصل والتفريغ النفسي والتقييم.
مدة الجلسة الفردية القياسية داخل الغرفة الحسية هي ستون دقيقة. بقوم الأخصائية بتحضير الغرفة مسابقاً واضائتها باللون الذي يرتاح له الطفل، وتشغيل موسيقى هادئة في البداية من خلال نظام الصندوق الحسي، ومن ثم تغير الأخصائية الموسيقى خلال الجلسة تبعاً لطبيعة النشاط المنفذ مع الطفل.
قدّمت الإخصائية مجد مثلاً على إحدى الجلسات مع الطفلة نور والتي تبلغ من العمر ثلاث سنوات والمشخصة بطيف التوحد. خلال أول جلسة مع الطفلة، تبين أنها تحب اللون الأزرق وترتاح له. فدائماً ما تقوم الأخصائية بتحضير الغرفة بإضائتها بلونها المفضل. يساعد ذلك بشكل كبير على استجابتها والتخفيف من التشتت خلال الجلسات. وتقوم الإخصائية باستخدام نفس اللون عند استعمال إحدى الأدوات الحسية المساندة في الغرفة التي تعمل بالإضاءة والألوان مثل: أنابيب الفقاعات، والطاولة المضيئة ومرآة المالانهاية.

الجلسات الجماعية باستخدام الصندوق الحسي
تقعد الجلسات الجماعية باستخدام نظام الصندوق الحسي لتنمية المهارات الاجتماعية والعاطفية وتنمية روح المشاركة لدى الأطفال. ويكون الهدف العام للجلسات التفريغ النفسي والإرشاد السلوكي والتعاون والمشاركة الاجتماعية.
عادة ما تقسم الجلسة إلى ثلاثة أقسام: الاسترخاء، النشاط المعرفي، ثم الرقص والتفريغ. تبدأ الجلسة بجلوس أو استلقاء الأطفال على الأرض وأريكة الحبوب، والاستماع إلى موسيقى هادئة ممزوجة بأصوات من الطبيعة لمدة سبع دقائق. ثم تطلب الإخصائية من الأطفال تحديد الأصوات التي يستمعون إليها: مثل صوت العصافير، والمطر والبحر. وتقوم الإخصائية بإيقاف الصوت عند الإجابة بطريقة صحيحة عن ذلك. وعن الانتهاء من جميع الأصوات، تكون الغرفة بلا أي صوت.
ثم تقوم الإخصائية بالقيام بأحد الأنشطة المعرفية باستخدام الألعاب التعليمية التفاعلية. مثل التعرف على الأشكال، والأصوات من حولينا. حيث يقوم الأطفال بالاجابة بنفسهم ومحاولة حل اللعبة. وفي مرات أخرى، تقوم الإخصائية بقراءة قصة من مكتبة القصص في الصندوق الحسي مع مزج الإضاءة والأصوات خلال ذلك. والحديث عن القصة ومناقشتها مع الأطفال،
وبعد الانتهاء من ذلك، تقوم الإخصائية بتشغيل موسيقى تحفيزية للرقص والتفريغ والحركة بشكل حر وعشوائي أم منظم في الغرفة. وإنهاء الجلسة بحركة موحدة ما بين جميع الأطفال.
استخدام الغرفة الحسية للتقيم المبدئي للأطفال
عادة ما يكون الطفل منفعاً وخائفاً عند حضوره لأول مرة إلى المركز. تقدم الغرفة الحسية وسيلة سريعة لتهدئة التطفل والتواصل معه من خلال إعطائه المساحة لتغير البيئة من حوله كما يرغب. كما أن البيئة الغامرة توفر طريقة لسيطرة على انفعالات الطفل وضبط تركيزه باتجاه الهدف المنشود. كما توفر الألعاب التعليمية طريقة لقياس بعض المهارات الحركية والإدراكية بشكل واضح وقياسي.
استخدام الأدوات الحسية المساندة حسب هدف الجلسة
تقوم الإخصائية المشرفة في المركز بتحديد خطة التأهيل والعلاج للطفل حسب الحالة وبشكل شهري (أو كل ثلاث شهرا). وتقوم بتحديد الأداة المساندة للهدف المنشود للجلسة.
فعلى سبيل المثال، تُستخدم أنابيب الفقعات مع الأطفال المشخصين بالتوحد كأداة للتحفيز التواصل البصري للطفل. ويصاحب ذلك إضاءة الغرفة وتشغيل الموسيقى التي تتناسب مع حالة الطفل، كما يُستخدم حائط الملامس لتحفيز الحواس اللمسية وتطوير المهارات اليومية المختلفة مثل ربط الحذاء واستخدام مفاتيح الإنارة وفتح وإغلاق سحاب الملابس. وتستخدم الأرض التفاعلية لتشجيع الأطفال على الحركة، والتنسيق ما بين حركة اليد والبصر والسمع من خلال ألعاب تعليمية تفاعلية.
أوضحت الإخصائية أنه يتم تدريب كل أفراد المركز على استعمال الغرفة الحسية وأدواتها لحين إتقانه ذلك. وخلال هذه المرحلة، يتدرب الإخصائيون الجدد على تشغيل كل أداة، وطرق عملها والأهداف التي يمكن تحقيقها من خلال ذلك. وذكرت أن كلاً من الإخصائية النفسية، وإخصائية النطق، والإخصائية العلاج الوظيفي يستخدمون الغرفة الحسية بشكل شبه يومي. ويختلف استخدام نفس الأداة بين كل إخصائية وأخرى. فعلي سبيل المثال، تستخدم الإخصائية النفسية الدرج التفاعلي لتفريغ الطاقة السلبية عند الأطفال مع القصة والسرد، بينما تستخدم إخصائية العلاج الوظيفي الدرج التفاعلي تمارين تقوي عضلات الطفل.
قياس تطور الطفل عند استعمال الغرفة الحسية
يتم مقارنة أداء الطفل في الجلسة العادية مع أداءه في الجلسة داخل الغرفة الحسية ومدى تركيزه مع الاخصائي وانجازه في الجلسة. بالإضافة لقراءة سلوك وتعابير وجه الطفل قبل وبعد كل جلسة. وتقوم الأخصائية المشرفة بقياس التطور (أو التراجع) للحالة ضمن معايير قياسية وكمّية بشكل شهري وعند الإنتهاء من خطة العلاج.

أمثلة عملية على دور البيئة الحسية في تطور الأطفال خلال فترة العلاج
تحدثت الإخصائية مجد عن العديد من النماذج العملية ممن أثرت عليهم أدوات الغرفة الحسية بشكل إيجابي خلال رحلة العلاج. وركزت على قصة الطفل عمر المشخص باضطراب التوحد الذي أمضى 5 سنوات في الجمعية، حيث يعتبر من أكثر الأطفال في المركز الذين حصلوا على أثر كبير وإيجابي بعد استعمال الغرفة الحسية في علاجه.
عند قدوم عمر للجمعية تبين أنه يعاني من اضطراب حسي وفرط الحركة. وما صعّب التعامل معه عدم التزامه بما كان يطلبه الإخصائي. ومع البدء بالعمل الجلسات داخل الغرفة الحسية تطورت حالة عمر بشكل إيجابي واضح. وأصبح يحب حضور الجلسات ويجلس في المكان الصحيح دون أن يطلب منه ذلك. ويتفاعل مع جميع المسائل الصادرة من الاخصائي داخل الجلسة ويقوم بتنفيذها بالشكل الصحيح.
كانت الجلسات تركز بشكل خاص على الدرج التفاعلي، والألياف البصرية وأنابيب الفقاعات والصندوق الحسي. حيث تم العمل معه على الدرج التفاعلي لتخفيف من الحركة المفرطة لديه، فهو يتفاعل مع الألوان التي تظهر عند وقوفه على إحدى الدرجات، وتنفيذ العديد من الأنشطة معه والتي تتطلب مروره من فوق الدرج حتى يقوم بها، كوضع لعبة على أحد جانبي الدرج ويطلب الأخصائي منه إحضارها من خلال مروره على الدرج التفاعلي.
وكل هذه الأنشطة تتم مع الطفل مع تغيير الألوان في الغرفة واستعمال موسيقى تهدئ الطفل وتجعله يسترخي مع الأدوات الموجودة. والتي يتم تجهيزها قبل دخول الطفل إليها بواسطة نظام الصندوق الحسي. وفي كل مرة يتم استعمال لون معين حسب حالة الطفل إذا كانت حركته زائدة يتم استعمال الإضاءة ذات اللون الأزرق لتعمل على تهدئته، أما إذا كان النشاط يحتاج لتحفيز الطفل فيتم تحويل اضاءة الغرفة للون الأحمر والمحفز على النشاط والحركة.
تحسن التواصل بين الأخصائي والطفل عمل بشكل مقارنة بما كان عليه سابقاً عندما بدء العلاج. واصبحت استجابته أفضل وأدق داخل الغرفة الحسية مقارنة مع جلسات في غرفة العلاج غير المجهزة حسياً. وهذا ما لاحظه الأخصائيون المشرفون على حالته. وكانت وردود الأفعال من أهل الطفل الذين أكدوا على تطور الطفل أثناء فترة العلاج بالغرفة الحسية.
آراء أولياء أمور الأطفال
تحدثنا مع والدة أحد الأطفال في المركز، والتي عبّرت سعادتها بما يتوفر داخل الغرفة من أدوات تساعد الأطفال على التطور. وتحدثت عن التحسن الذي طرأ على طفلتها من ناحية صحية وسلوكية، حيث أنها تدخل معها للجلسة الفردية داخل الغرفة الحسية وتراقب مدى السعادة والراحة على وجه صغيرتها، والتطور الكبير في مهاراتها وحركتها. وأكدت أنها استفادت من كيفية تعامل الاخصائية مع الطفلة داخل الغرفة الحسية وأصبحت تتّبع معها بعض الأساليب في المنزل.
النتائج والملخص
نتائج الدراسة
- ساعدت الغرفة الحسية غالبية الأطفال في الجمعية على تحسين مزاجهم خلال الجلسات التأهيلية
- تعتبر الغرفة الحسية في الجمعية المصدر الرئيسي في علاج وتأهيل الأطفال الذين يعانون من فرط الحركة؛ لما لها من دور كبير في ضبط حركتهم الزائدة وانضباطهم بالجلسة.
- استخدام أدوات البيئة الحسية في التفريغ النفسي للأطفال بمختلف فئاتهم.
- ساعدت الغرفة الحسية الأطفال على تمييز الألوان والأشكال من خلال بعض التمارين التي تنفذ معهم.
- استعمال الصندوق الحسي في عملية التوجيه السلوكي للأطفال على شكل جلسات جماعية.
- زيادة إقبال الأطفال على الجلسات داخل الجمعية نتيجة شعورهم بالراحة والأمان داخل البيئة الحسية.
الملخص
تناولت هذه الدراسة دور البيئة الحسية في جمعية تأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة على التطور والتحسن بالعلاج. هدفت الدراسة بشكل أساسي على تباين الدور الذي تساهم به البيئة الحسية في مراكز التأهيل ومعالجة الأطفال ذوي الإعاقة. من خلال استخدام الأدوات الحسية المساندة لتحفيز الحواس وبناء مهارات جديدة للأطفال ذوي الإعاقة.
وتوصلت الدراسة لعدة نتائج كان من أهمها إسهام الغرفة الحسية في تطور الأطفال وتحصنهم أثناء العلاج، والدور الذي لعبته الأدوات الحسية في تحسن مزاج الأطفال وتقبلهم للعلاج داخل الجمعية.
اترك رداً
تريد المشاركة في هذا النقاششارك إن أردت
Feel free to contribute!