استعمال البيئة الحسية في العلاج والتأهيل في مراكز تأهيل ذوي الإحتياجات الخاصة

 دراسة حالة جمعية سند لذوي الاحتياجات الخاصة

الطرح

يتسع مدى استعمال البيئة الحسية في العلاج والتأهيل في مراكز تأهيل ذوي الإحتياجات الخاصة ليشمل كافة الفئات والمراحل العلاجية. من خلال اتباع أساليب مختلفة لتحفيز حواس الأطفال وزيادة الإدراك عبر أدوات مساندة للمعالج.

تركز هذه الدراسة على سؤال أساس وهو إلى أي مدى يمكن استعمال البيئة الحسية في علاج وتأهيل الأطفال ذوي الإعاقة في مراكز التأهيل؟

الحدود المكانية والبشرية للدراسة

تم إجراء هذه الدراسة في جمعية سند لذوي الاحتياجات الخاصة في مدينة نابلس، فلسطين. حيث وفرت الجمعية منذ تأسيسها غرفتين حسيتين؛ لعقد الجلسات الخاصة بالأطفال بداخلها انطلاقاً من مبدأ العلاج التأهيلي كبرنامج متكامل في الجمعية.

تأسست الجمعية عام 2012 في مدينة نابلس لتقديم خدمات تأهيلية للأطفال ذوي الإعاقة من قبل مجموعة من الأمهات من ذوي الاحتياجات الخاصة. يؤمن مؤسسو الجمعية بأهمية تعزيز القدرات والمفاهيم الذاتية للأطفال حتى يتمكنوا من عيش حياة أكثر إنتاجية وإستقلالية.

تهدف الجمعية لزيادة الوعي بأهمية الكشف والتدخل المبكر للأطفال. وتنادي بأهمية قبول حالة الطفل كخطوة أولى للعمل على تحديد وتنفيذ التأهيل له. وتضم أنشطة المركز تنمية القدرات الجسدية والاجتماعية والعقلية للأطفال لزيادة استقلاليتهم ومشاركتهم في الحياة.

تستقبل الجمعية على 75 طفلاً: 22 منهم إناث و 53 ذكوراً. تتراوح أعمارهم بين 2 و 14 عاماً .وتتركز فئات الأطفال في الجمعية على المشخصين بأحد اضطرابات التوحد. وتشمل الحالات التي تستقبلها الجمعية الشلل الدماغي، والصعوبات السمعية، والإعاقات الحركية، والمشاكل النفسية، والاضطرابات السلوكية.

طيف يقوم بنشاط تحفيزي وحركي بالمشي على أرضية الملامس
طيف يقوم بنشاط تحفيزي وحركي بالمشي على أرضية الملامس

أدوات الدراسة

اعتمد فريق البحث في إجراء هذه الدراسة على أداة المقابلة شبه المقننة. تم إجراء المقابلة مع الأخصائية المهنية داخل الجمعية نضال حنون. حيث تعمل أ. نضال منذ 4 سنوات في جمعية سند. شملت المقابلة من (17) سؤلاً كمياً ونوعياً.

 تحليل المقابلة

تُظهر المقابلة اتساع المجالات التي يتم استعمال الغرفة الحسية فيها لعلاج وتأهيل الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.

محاور الدراسة

مكونات البيئة الحسية

يحتوي المركز على غرفتين حسيتين. تشمل كلٌ منها على الأدوات التالية:

الغرفة الأولى وبها: أرضية الملامس، ومرآة اللانهاية، وأنابيب الفقاعات، والصندوق الحسي والطاولة المضيئة.

الغرفة الثانية وبها: الألياف الضوئية، وحائط الملامس، والطاولة التفاعلية، والصندوق الحسي، وبركة الطابات، والدرج التفاعلي.

أوضحت الأخصائية أن لكل أداة من هذه دوراً خاصاً ونتائج يتم تحقيقها من خلال استعمالها حسب التقسيمات الثلاث التالية: حالة الطفل، والفئة التي ينتمي إليها، والمرحلة العلاجية التي وصل إليها الطفل.

وتحدثت الأخصائية عن سعي الجمعية لتوفير بيئة حسية في جميع الغرف العلاجية. حيث انها أثبتت فعاليتها مع العديد من الحالات.

طبيعة الجلسات داخل البيئة الحسية في مركز التأهيل

تبلغ مدة الجلسة القياسية داخل الغرفة الحسية أربعين دقيقة. وتقوم الإخصائية بتلخيص الجلسة وإعطاء إرشادات لولي الأمر لمدة عشر دقائق بعد إنتهاء الجلسة مع الطفل.


تبدأ الجلسات بالتقرب من الطفل والتعرف على مشاعره ومزاجه. ومن ثم استخدام إحدى الأدوات الحسية بشكل تدريجي تبعاً للحالة ومرحلة علاجها. حيث تبنى الجلسة اعتمادا على حالة الطفل وقدرته الحسية.


عادةً ما تقوم الأخصائية باستخدام الأرجَحة بالأرجوحة الشبكية خلال الحديث مع الطفل ليسترخي ويبدأ بالتفاعل والتركيز. وخلال ذلك، تقوم بتشغيل مقاطع موسيقية محببة للطفل، مع إختيار إضاءة مناسبة عن طريق نظام الصندوق الحسي. وبعد التأكد من اندماج الطفل داخل الجلسة وشعوره بالراحة، تبدأ الأخصائية بالعمل على الجانب الحسي باستخدام الادوات المناسبة لهدف الجلسة. فالأطفال الذين يعانون من اضطرابات حسية عادةً ما تستخدم معهم أرضية الملامس لتحفيز النهايات العصبية في الأقدام، بالإضافة إلى حائط الملامس لتحفيز اللمس باليد. أما الأطفال الذين يعانون من اضرابات في الحس الدهليزي، تسخدم الأخصائية الأرجوحة الشبكية وأرجوحة الجوكي بالأرجحة اللولبية و الأرجحة الجانبية في محاولة لتحقيق الحركات العشوائية التي ترفع الإحساس العصبي، وتزيد النقل العصبي لدى الطفل.


تستخدم الأخصائية مجموعات الألعاب التعليمية والتقيمية في الصندوق الحسي مع الأطفال ذوي الصعوبات الإدراكية وصعوبات التعلم. وطرحت مجموعة ألعاب العيون والأصابع كمثال على ذلك. مثل لعبت البازل وتتبع المتاهة ولعبة الفقعات الملونة. ويساعد تدرج صعوبة المحتوى في الصندوق الحسي لمستويات بتحقيق ذلك. كما تستخدم الطاولة المضيئة في تمرينات المطابقة وتعلم الأشكال والألوان بطريقة تفاعلية وممتعة لمثل هذه الحالات.

طلفة ترقص في البيئة الحسية على الأرض التفاعلية
طلفة ترقص في البيئة الحسية على الأرض التفاعلية

دور استعمال البيئة الحسية في العلاج والتأهيل

تحدّثت الأخصائية عن فوائد الأدوات الحسية في تحسين النطق، خاصة في مرحلة الانفجار اللغوي والذي يحدث حول عمر السنتين ونصف السنة. وذكرت عدة أمثلة عن تطور مذهل بعد فترة قصيرة لبعض الحلات. ففي هذه الأحيان، يكون لدى الطفل مخزون لغوي، ولكنه لا يرغب بالتكلم لأسباب حسية أو نفسية. وبمساعدة الأخصائية، وبتوفر الأدوات المساندة في البيئة الحسية، يمكن التغلب على بعض صعوبات النطق، والوصول إلى مرحلة التفجير اللغوي.


من الأمثلة الأدوات المستخدمة لذلك أنابيب الفقاعات. حيث يستمع الطفل ويستمع لحركة الفقاعات العشوائية داخل الأنبوب ومحاولة وصفها أو التعبير عن دهشته بها. وتقوم الأخصائية بالعمل على تطوير الحديث الموجه. ذكرت الأخصائية أنه خلال عام 2020 تم علاج أربع حالات لأطفال في هذه الطريقة وأصبح الأطفال يتكلمون بشكل أفضل، ويتم العمل حالياً على تخريجهم من الجمعية لانهم أتقنوا جميع المهارات الحسية واللغوية المناسبة لعمرهم.


تستخدم مرآة اللانهاية في الجلسات مع الأطفال المشخصين بطيف التوحد بشكل خاص. حيث يجلس الطفل أمامها، وينظر بشكل مباشر إليها. وعادةً ما يجذبه انعكاس صورته في المرآة بشكل مستمر، مع حركة الإضاءة والألوان المتغيرة. تقوم الأخصائية بالعمل على مهارة الحديث الموجه في ذلك الوضع. وتذكر الأخصائية أن بعض الأطفال يظهرون وكأنهم يرون أنفسهم لأول مرة في المرآة.


وتحدثت أيضاً عن تأثير البيئة الحسية على مزاج الأطفال وتواصلهم واستجابتهم، وليس فقط في تطورهم أثناء رحلة العلاج. فالغرفة الحسية هي بيئة تفريغ نفسي وتحفيز حسي في الوقت ذاته. فكثير من الأطفال لديهم بعض المشاكل السلوكية. ولكن، مع تواجدهم في الغرفة الحسية بشكل دوري ومنظم بإشراف الأخصائية يُظهرون تحسناً في الجانب السلوكي.


كما أن الأطفال الذين يعانون من مشاكل حسية لمسية، أو حساسية معينة، يظهر عليهم علامات الارتياح ويخرجون منها بمزاج مختلف تماماً بعد تواجدهم في الغرفة الحسية. فيمكن استخدامها كمكان لتفريغ الطاقة السلبية والزائدة لدى الأطفال.

المنهجية لاستعمال البيئة الحسية في العلاج والتأهيل

بناء على تجربة جميع الأخصائيين في الجمعية خلال السنوات السابقة في استعمال البيئة الحسيةـ كان جلياً أن أنجع منهجية للعلاج والتأهيل هي منهجية التعلم باللعب. ويتم تدعيم ذلك بدمج التكنولوجيا في عملية التأهيل.في ظاهر الأمر ـ قد يبدو أن الطفل يقوم باللعب فقط. لكن يكون ذلك ضمن تحضيرات وخطط لتحقيق أهداف تم تجهيزها بالسابق لتعمل على بناء مهارة، أو تفريغ نفسي، أو بناء سلوكية جديدة ومعرفة.

تحديد احتياجات الأطفال ووضع الأهداف الفردية

أول خطوة عند وصول الطفل للمركز هي القيام بالفحص الطبي الشامل، والحصول على تقرير طبي لتقييم حالته عضوياً. وذلك لضمان سلامة المدخلات والمخرجات لدى الطفل. ومن ثم تصنيف حالة الطفل ـوعادة ما تكون بشكل أولي وأساسي من الطبيب.بعدها يتم عقد جلسة تقييمية للطفل بوجود أخصائيي العلاج الوظيفي والطبيعي والنطق (كل حسب الحالة) لتحليل الحالة ودراستها بوجود والدي الطفل.


يقوم كل اخصائي بوضع الأهداف التي سيقوم بالعمل عليها. ومن ثم عرضها على المشرفة المهنية في المركز لتقوم بالتأكد من الأهداف أنها قابلة للقياس والتحقيق ومناسبة لحالة الطفل. وعادة ما تكون تكون مدة الخطة الأولى ثلاثة أشهر . وبعد أن تتم المدة تقوم المشرفة المهنية بإعادة تقييم حالة الطفل، وبناء أو تعديل الخطة العلاجية لفترة أطول أو أقصر.


طرحت الأخصائية مثلاً على ذلك: إدراك الألوان. ينسق الأخصائيون معاً بشكل متكامل على هذا الهدف فقط خلال فترة زمنية محددة. فيقوم أخصائي النطق بإرشاد الطفل على نطق الألوان بشكل صحيح، ويستخدم نظام الصندوق الحسي والإضاءة والألعاب لذلك. وتقوم الأخصائية التربوية باستخدام الطاولة المضيئة والطاولة التفاعلية لتميز الألوان إدراكيا. كما تقوم أخصائية العلاج الوظيفي باستخدام البلاط الزيتي لمزج الحركة مع الألوان على الأرض. ومن الجدير بالذكر أن العملية تستمر في المنزل بتعاون الأهل ومتابعته في المنزل.

استجابة الأطفال لاستعمال البيئة الحسية في العلاج والتأهيل

وضّحت الأخصائية أن استجابة كل فئة مختلفة عبر رحلة العلاج بالبيئة الحسية. وتختف الأدوات المستخدمة في ذلك. حيث أن البيئة الحسية هي أداة تُسهل عمل الأخصائي، وتعتمد بشكل أساسي على خطة العلاج. والجدير بالذكر أن البيئة الحسية تحسن من الأستجابة لعملية التأهيل بتوفير المناخ المتخصص والمناسب للعمل مع الحالة، من خلال تقليل التوتر وتحسين التواصل والإنتباه.


فمثلا، الأطفال المشخصين بطيف التوحد هم عادةً أكثر فئة تواجه مشاكل حسية. وبالتالي وجود بيئة حسية تساند في توفير البيئة المناسبة لهم لاستقبال عملية التأهيل. فعادةً ما يتم استعمال حائط الملامس، والأرضية الحسية، وأنابيب الفقاعات، ومرآة اللانهاية، بالإضافة إلى الصندوق الحسي الذي يلعب دور كبير في تنمية التواصل البصري. حيث تزيد نسبة الاستجابة والتطور لدى أطفال التوحد بشكل ملحوظ.


أما أطفال متلازمة داون والذين يعانون من مشاكل إدراكية بشكل أكبر ، فيتم استعمال الصندوق الحسي معهم لتنمية هذه المهارات. بالإضافة لاستعمال الطاولة المضيئة وتعلم الأشكال والألوان والرسم بالرمل على سطح الطاولة.

قياس الأثر من استعمال البيئة الحسية في العلاج والتأهيل

أوضحت الأخصائية أنه يتم قياس الأثر من استعمال الأدوات الحسية من خلال مقارنة المهارات قبل الخضوع للجلسات في الغرفة الحسية وبعدها بشكل دوري. ويساند ذلك تصوير مقاطع فيديو للأطفال قبل البدء في التأهيل وبعده. كما أن التغذية الراجعة من أهل الأطفال مع الاستمرار في التأهيل يدل على التطور الحاصل في البيت. وتقوم المشرفة المهنية بإعداد تقيم كمّي عند البدء والإنتهاء من كل خطة أو مرحلة تأهيلية. وتعتمد بذلك على أحد المعايير المناسبة لحالة الطفل.

قصص نجاح ونماذج لتحسّن حالات الأطفال باستخدام الغرفة الحسية

الطفل أحمد هو طفل مشخص باضطراب التوحد ويبلغ من العمر 12 سنة. قضى بالجمعية سنتان ونصف من العلاج. وكان يحصل على 3 جلسات اسبوعياً في المركز داخل الغرفة الحسية. يعاني أحمد من مشاكل حسية وحساسية عالية من الأصوات. حيث أنه بتناول الطعام بصعوبة لأن صوت المضغ يزعجه و يسبب له التوتر. كما يتعرض لنوبات تشنج في الأطراف في بعض الأحيان.


بعد عدة جلسات بالغرفة الحسية باستعمال حائط الملامس وأرضية الملامس وتدريبه على الاحتكاك والقفز على الملامس المختلفة، طرء تحسن كبير على حالته. وشملت خطة التأهيل له على التحفيز الحسي والإحتكاك للملامس الخشنة بشكل تدريجي. واستخدام الصندوق الحسي لعرض مقاطع فيديو وألعاب تعليمية عن الطعام بشكل مدروس وتدريجي. واستخدمت أخصائية العلاج الطبيعي أرضية الملامس، والألياف الضويئة مع التدليك للأطراف في الجلسات. حيث استطاعت القيام بذلك لفترات أطول. وبتركيز أعلى وهدوء أكثر من أحمد.

تجربة أولياء الأمور مع البيئة الحسية

ذكرت الأخصائية أن الغرفة الحسية تستخدم أيضاً مع أولياء الأمور للأطفال بهدف التفريغ النفسي لهم عدة مرات ضمن تجارب أولية. وكانت ردود الفعل إيجابية ومرحب بها. وطلب بعض أولياء الأمور أن يتم تكرار التجربة بشكل دوري لهم.

النتائج والملخص

نتائج الدراسة

  • يتسع نطاق استعمال البيئة الحسية في العلاج والتأهيل لمدى واسع من فئات الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة.
  • تقدم البيئة الحسية طريقة للتواصل مع الأطفال، وتزيد من فرصة التحسّن والعلاج داخلها.
  • يلعب الصندوق الحسي دورا كبيرا في تنمية المهارات الإدراكية والحسية للأطفال من خلال المحتوى التفاعلي والتعليمي الموجود به.
  • لا يقتصر استعمال الغرفة الحسية فقط في علاج الأطفال وتأهيلهم وإنما يشمل أيضا التفريغ النفسي لأولياء أمورهم.
  • تساعد الأدوات الحسية الأطفال على النطق خاصة إذا تم العمل معهم في مرحلة مبكرة من العلاج.

الملخص

تناولت هذه الدراسة مدى استعمال البيئة الحسية في علاج وتأهيل الاطفال ذوي الاعاقة ودورها في تطور استجابتهم للعلاج، وذلك من خلال مقابلة تم اجرائها مع الأخصائية المهنية في جمعية سند لذوي الاحتياجات الخاصة نضال حنون.

0 ردود

اترك رداً

تريد المشاركة في هذا النقاش
شارك إن أردت
Feel free to contribute!

اترك تعليقاً